لجنة تقصي الحقائق/مذكرات مواطن

بسم الله الرحمن الرحيم

*المقدمة:-

بداية لا بد من ايضاح فحوى هذه المقالة ان صح تسميتها بمقالة لما فيها من سرد لحقائق تاريخية وحرصت كل الحرص على نقل الحقائق (بإيجاز و تصرف ) .. وهو عبارة عن اقتباسات من جزئيين :-

1-تقرير لجنة تقصي الحقائق عن الغزو العراقي،وهو عبارة عن ملخصات للتقرير النهائي لهذه اللجنة.

2-مذكرات مواطن،عاصر هذه الأحداث وكان قبيل الغزو العراقي في دورة تنشيطية كملازم احتياط لحادثة بتاريخ 17/7/1990م أي قبل الغزو بشهر تقريباً.


 -------------------------------


القسم الأول
"لجنة تقصي الحقائق"


-رئيس اللجنة: صالح يوسف الفضالة.

-أعضاء اللجنة:1-صالح يوسف الفضالة (رئيساً) 2-أحمد يعقوب باقر(مقرراً)3-د.إسماعيل خضر الشطي (عضواً) 4-د.يعقوب محمد حياتي(عضواً)5-فهد دهيسان الميع (عضواً) 6-طلال مبارك العيار (عضواً) 7-محمد ضيف الله شرار (عضواً) 8-خالد سالم العدوة (عضواً)9-عبدالله محمد النيباري(عضواً) //وقد استقال كل من د.إسماعيل الشطي و طلال مبارك العيار وحل مكانيهما كل من :خلف دميثير العنزي و مبارك فهد الدويلة.

-تاريخ اللجنة النهائي:16 أغسطس 1995م

- تكاليف هذه اللجنة والحقائق التي طلب التقصي منها :

أ-الجانب لسياسي.          ب-الجانب العسكري.   (ما سننقله فقط هو الجانب العسكري والسياسي)     ج-الجانب المالي.
----------------------------

 أ-الجانب السياسي وينقسم هذا الجانب إلى قسمين:-

1-التهديدات.(يقصد بها من الجانب العراقي)              2-التحذيرات (يقصد بها من الجانب الكويتي)

--------------------

1- التهديدات:
 (ملاحظة لن أنقل كلما جاء بالتفصيل إنما سيكون النقل عن الخلاصة وبعدها ذكر للمصدر للرجوع للتفاصيل)

-ذكر السيد "راشد عبدالعزيز الراشد" وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة سابقاً و أمام اللجنة ،أنه خلال مشاركته في قمة "بغداد" الإستثنائية في الجلسة المغلقة والتي عقدها صدام حسين في 30-5-1990م أن هناك اتهام وتجني واضح لدولة الكويت بإغراق سوق النفط وعدم الإلتزام بقرارات الأوبك .. ويقول الوزير أمام اللجنة شعرت أن هناك فعلاً مؤامرة تحاك ضد دولة الكويت ودول الخليج.

-"إن بلادنا لن تركع أمامكم .. ونساء العراق لن يتحولن إلى بائعات هوى..وأطفالنا لن يحرموا من الحليب"

عبارة قالها وزير الخارجية العراقي طارق عزيز بعد دخوله لتمثيل دولته أثناء إجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة 16-7-1990م .. هذا طبعاً بعدما بعث رسالة إلى الأمين العام للجامعة  السيد  "الشاذلي القليبي"   التي اتهم فيها الإمارات والكويت بإغراق السوق النفطية بزيادة الإنتاج النفطي مما أدى لتدهور إنتاج النفط..بالنسبة للكويت فقد زود وزير الخارجية العراقية الإتهامات إلى شكل أوسع حيث وسع رقعة الإتهام إلى إعتداء مزدوج تجاوز الحدود على الأراضي العراقية (راجع حقل الرميلة عزيزي القارىء) ومن ناحية أخرى اتهام الحكومة الكويتية تحقيق إنهيار في إقتصاد العراق ..!

-الرد على اتهامات الجانب العراقي أتت من وزير الخارجية آنذاك "سمو الأمير صباح الأحمد الصباح" بكتاب مؤرخ بتاريخ 18-7-1990م إلى أمين الجامعة العربية فند فيها ما جاء من اتهامات بتدخل الكويت وتغلغلها في الأراضي العراقية (حقل الرملة/الرتقة) وأن تدهور أسعار النفط كان مشكلة عالمية سببها مستهلكون ومنتجون من خارج منظمة الاوبك..كذلك اقترح أن يكون هناك لجنة عربية كي تقوم بالفصل في ترسيم الحدود على أسس المواثيق والمعاهدات الدولية..طبعاً لم يسكت الجانب العراقي ..

-في تاريخ 24-7-1990م أعلن الجانب العراقي رفضه لإقتراح الكويت بتشكيل لجنة في إطار الجامعة العربية لترسيم الحدود و قال وزير الخارجية آنذاك "الخلافات على الحدود تحلها الدول المعنية ذاتها وليس اللجان المشتركة من الجامعة العربية"
---------
2-التحذيرات:

 موقف السفارة الكويتية في العراق:-

"التصرفات كلها تدل على أنه هناك توجه عسكري عندما إلتقطنا بعض الكلمات من خطاب صدام في 17-7 وأن الرجل مقدم على فعل وليس قول..والكثير من المراقبين يشاركوني هذا الرأي خاصة الذين تربطني بهم علاقة مباشرة..!" 

هذا ما ذكره السفير الكويتي السابق خالد البحوه لدى العراق .. ويكمل "لكن المؤشرات التي أكدت وتركت انطباع شخصي لوجود عملية عسكرية مدبرة خاصة أن الأرتال العسكرية نشاهدها بالعين المجردة وهي تحشد نحو الجنوب"

وفي ما يلي حوار دار بين اللجنة وبين خالد البحوه:-

اللجنة تسأل: أكدوا لك الأمريكان في عمل عسكري ، فهل قمت بتبليغ هذا التأكيد .. هل وجهت برقية بذلك ..وفي البرقيات كان في تأكيد على أن العراق مقبل على عمل عسكري ..؟
السفير:أنا لم أستدع ولم يطلب مني الحضور للكويت،ونعم في برقياتي أكدت على العمل العسكري وخاصة في آخر برقية التي نقلتها السفيرة الأمريكية جلاسبي أن هناك عملاً عسكرياً.
اللجنة تسأل:أخر إتصال كان لك مع القيادة الخارجية الكويتية كان متى؟
السفير:آخر برقية كانت يوم الأربعاء،معلومات وردت عن زيادة التحرك العسكري،والكثير من الشائعات العسكرية التي تترد عن احتمالية وقوع ضربة عسكرية،وكنت أعقب على ربط الموضوع ببرقيات سابقة كتأكيد لما أثارته السفارة الأمريكية كنت أربط الموضوع دعم تصعيد في عملية الإحساس بإقتراب العملية العسكرية كان يوم الأربعاء ظهراً.
كما جاء في أقواله (ثم بعد التأكد بعثنا بالبرقيات للوزارة حول التحرك العسكري في اليوم الفلاني تمرصد القطار الساعة كذا آخر برقية بعثتها يوم الإثنين (28-7) وحيث أن السفيرة الأمريكية قابلت الرئيس العراقي بتاريخ 25 يوم الجمعة،السبت حاولت أشوفها ماقدرت كان في اتصال تلفوني معها وقالت لي أمرك البيت وجتني يوم الأحد.
-------------------

-"والله طويل العمر اناأعتقد ان صدام جاي لنا ، الكلام ماله تهديد للكويت ، وآنا كمواطن عادي بغض النظر عن منصبي .. الخطاب واضح وصريح الرجال جاي يقول قطع الأعناق ولا قطع الارزاق" السيد مستشار سمو الأمير آنذاك عبدالرحمن سالم العتيقي الذي كان خارجاً بتاريخ 22-6-1990م و عاد من الأردن بعدما سمع خطاب صدام حسين 17-7-1990م وسأله سمو الأمير (استفسره) بما عنده.

------------------
-السفير طارق رزوقي لدى فرنسا أفاد ب :
 "أن المخابرات الفرنسية أخبرته في يوم الإثنين 30-7-1990م أن الحشود العراقية يزداد عددها يوماً بعد يوم وأنه من المحتمل أن تكون هناك عملية وأنه لا يمكن تركها في مواقعها الحالية فإما أن تتحرك وترجع إلى الوراء وإما ان تتقدم إلى الأمام" وأضاف السفير أنه حضر للكويت ونقل هذه المعلومات لسمو ولي العهد.

-----------------
-السفير سعود الصباح لدى الولايات المتحدة أفاد ب :
"كنت على إتصال دائم مع وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الإستخبارات الأمريكية ،مع البيت الأبيض مع وزارة الدفاع الأمريكية،حول هذه الامور وأقولها بكل أمانة بأن جميع هذه الأجهزة كانوا يطلعوني اول بأول بكل ما يحدث من تصعيد ومن حشود عراقية التي تلت تقديم هذه المذكرة وكنت على إتصال دائم بحكومتي في ذلك الوقت"
----------------
السيد عبدالله يوسف الغنيم "وزير التربية آنذاك" :
"في نفس الفترة -يوليو- 1990م توالت البرقيات من سفارات الكويت بالخارج وكان هناك إشارات لوجود حشود واحتمال قيام العراق بعمل عدواني،كانت يومياً تصل تقارير من السفارات بالخارج وكانت تقرأ كل رسالة تصل  من أي سفارة في الخارج من مجلس الوزراء"
---------------
- عيد الثورة العراقية ووزير الإعلام العراقي يدعو عدد من رجالات الكويت وكان من بينهم السادة "فيصل الدويش-مشاري العصيمي-أحمد البزيع"

أفاد فيصل الدويش أمام اللجنة أنه في لقاء وزير الإعلام العراقي ذكر الأخير "يؤسفننا أخوتي الكويتيين ندخل في حرب مع الكويت .. والحرب هذه ليست موجهه لكم يالشعب الكويتي بقدر ماهي موجهه للحكومة الإستعمارية عندكم"
وفور عودته من بغداد بتاريخ 20-7-1990م أفاد فيصل الدويش أنه تلقى اتصال من الشيخ ناصر محمد الأحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك وذهب فيصل الدويش لمقابلته في منزلة في نفس اليوم الساعة السابعة مساءً وأخبره بما جرى في حوار بغداد .. وفي اليوم التالي نقل أمام سمو الأمير وبحضور وزير الخارجية وولي العهد  و وزير الداخلية "والله تقييمي طال عمرك احتمالين، الاحتمال الاول… من الارض ما استطاع، لانه شخص .. ما له خط رجعه لكم، والاحتمال الثاني وعندي الاحتمال الاول ارجح ابتزاز، لكن طال عمرك الوضع في منتهى الخطورة، وأنا افضل انك تستعين باصدقائك ما استطعت.. والكويت ترى إذا عرف صدام انها ما هي بلقمة سايغة يبي يحسب ألف حساب"

*ما قاله مشاري العصيمي:

  انه عند عودته الى الكويت (وكان من بين من سافر الى بغداد) نقل هذه الانباء الى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وكان مما ذكره له ان: هذه التهديدات يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لسبب رئيسي الى ان الوضع الاقتصادي في العراق سيئ جداً. 

*إفاده أحمد البزيع:
اانه فور عودته الى الكويت، سعي الى لقاء سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، ونقل إليه تلك الانباء، وقال له: "أنا علمتك والواحد برأ ذمته"
-------------------
 عزيزي القارئ:انتهينا من (التحذيرات) بإيجاز والآن ننتقل ل (ردة الفعل) من الحكومة الكويتية ومن الدول العربية والأجنبية (كذلك ضمن افادات من عمل اللجنة)
-------------------
  كيف تعاملت السلطة التنفيذية الكويتية مع التهديدات العراقية:-

يقول السيد راشد عبد العزيز الراشد، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في مايو1990م، وعضو الوفد الكويتي المشارك في قمة بغداد في هذا التاريخ:«لو أردنا الآن أن نضع ونحلل الصورة ونحلل الحركة لصدام ومن معه واعوانه من المجتمعين لرأينا ان هناك فعلا مؤامرة تحاك ضد ليس باعتقادي الكويت، انما الخليج، وهو استنفار من هؤلاء للاستحواذ على اكبر اموال ممكنة من خلال الضغط والتخويف السياسي…
انا خرجت بانطباع ان هناك مؤامرة علينا….. وباعتقادي ان جميع من حضر هذا الاجتماع وباعتقادي انه يشاركني هذه المشاعر بأن هناك فعلا تجني على الكويت بالذات»، ويضيف السيد راشد الراشد انه لم ينقل هذه المشاعر بصورة رسمية الى سائر المسؤولين في الحكومة الكويتية، لأن وزير الخارجية الكويتية كان مشاركا في الاجتماعات ويعرف ما دار فيها، وليس مطلوبا منه، كوزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ان يكتب مذكرة لأي شخص كان.
----
-عندما سئل السيد عبد الرحمن العوضي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك عما اذا كان مجلس الوزراء قد عقد جلسة تساءل فيها الاعضاء عن مبررات الحشود العسكرية، اجاب:«تساءلنا، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الاحد لدرجة ما كنا نعتقد ان هذا سوف يهاجم، هناك تساؤل لكن استبعد انه يهاجم، ان هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا. بدأها بخطاب، وبالتالي ما كان نتوقع انه يهجم… للضغط عليها».
-----
يقول السيد محمد ابو الحسن المندوب الدائم للكويت لدى الامم المتحدة:«العلاقات كانت بين الكويت والعراق متكاملة وجيدة جدا… لم يدر بالخلد على الاطلاق ان سوف نواجه بهذا التطور».
 ----- 
   (عزيزي القارئ السابق كان مجرد أمثلة لما جاء في التقرير عن "ردة فعل الحكومة الكويتية" والآن سيتم ذكر سبب أو تسبيب الردة فعل الحكومة وفق مبرراتها في تقرير اللجنة")

 ----------------------

ويرجع عدم توقع الغزو من قبل الحكومة في الكويت الى المعطيات التالية:
 
1- العلاقات الطيبة -كما كانت تراها السلطة التنفيذية- بين الكويت والعراق حتى1990/7/15م، ومن ابرز مظاهرها الحفاوة البالغة التي استقبل بها سمو امير البلاد عندما زار بغداد في شهر سبتمبر1989م حيث صدر مرسوم جمهوري في1989/9/23م بمنحه وسام الرافدين من الدرجة الأولى.
2- اعتقاد المسؤولين في الكويت ان العراق لن ينسى للكويت مواقفها معه طيلة الحرب العراقية الايرانية ودعمه الكامل للعراق ماديا وسياسيا واعلاميا واقتصاديا. فقد كانت الكويت تتبنى دائما مواقف ووجهات النظر العراقية وتدفع عنها. ولعل هذا الاعتقاد كان وراء زيارة سمو ولي العهد لبغداد في شهر مايو 1989م مؤملا حسم الخلافات الحدودية بين البلدين وهي الزيارة التي لم تسفر عن اي نتيجة ايجابية.
3- اعتقاد المسؤولين ان الوجود العسكري في جنوب العراق امر طبيعي في ذيول الحرب العراقية الايرانية التي توقفت في1988/8/8م، والشكوك القائمة بين البلدين، ولا سيما ان اكثر العمليات العسكرية بين العراق وايران كانت في جنوب العراق.
4- عدم تصور قيام العراق باجتياح الكويت في ظل العلاقات العراقية الكويتية قبل1990/7/15م وفي ظل المعادلات الدولية في المنطقة.
 
(ملاحظة عزيزي القارئ هنا تأتي الأبعاد السياسية والتصوير الخاطئ الذي حصل لدى السلطة التنفيذية،حسب رؤيتي الشخصية)
 
5- التأكيدات العربية بأن العراق لن يقوم بأي عمل عسكري ضد الكويت. ففي زيارة للسيد عبد الرحمن العوضي مبعوث سمو الامير الى اليمن قابل في 1990/7/22م الرئيس علي صالح الذي اتصل بصدام حسين (من غرفة مجاورة) وعاد واخبر السيد عبد الرحمن العوضي انه تحدث هاتفيا مع الرئيس صدام حسين الذي نفى وجود حشود عراقية او تحركات عسكرية غير عادية من جانب العراق على حدوده مع الكويت وانه (أي صدام حسين) يدعو الرئيس علي صالح الى الطيران على طول الحدود العراقية الكويتية ليتأكد بنفسه من عدم وجود اي حشود.
وفي 1990/7/24م حضر الى الكويت الرئيس حسني مبارك قادما من بغداد ليؤكد ما تعهد به صدام حسين من عدم استخدام القوة العسكرية. وفي 26/7/1990م حضر إلى الكويت السيد/ أسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية قادما من بغداد ليؤكد المعنى ذاته. وفي 27/7/1990م وصل إلى الكويت الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وكان قد سافر إلى بغداد بتكلييف من جلالة الملك فهد وقابل صدام حسين ثم حضر إلى الكويت ليؤكد للمسؤولين أنه حصل على تأكيدات من صدام حسين شخصيًا بأن التحركات العسكرية العراقية أمر عادي وأنه ليس للكويت أن تخشى شيئا، ونقل إلى الكويت طلب الملك فهد بألا تقدم الكويت على عمل فيه إستفزاز للعراق.
يتبع …
وللغرض ذاته حضر إلى الكويت في 28/7/1990م السيد ياسر عرفات. وفي 30/7/1990م حضر السيد الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى الكويت. وفي 30/7/1990م وصل الملك حسين قادمًا من بغداد. وقد ذكر سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء أمام اللجنة أن التطمينات السعودية والمصرية كانت تشير إلى أن ما يقوم به العراق هو مجرد مناورات على حدوده. وأكد الحديث التلفوني الذي أشار إليه الدكتور عبدالرحمن العوضي أن الرئيس علي صالح أخبره هاتفيا بأنه اتصل بصدام حسين الذي طمأنه بأنه لا يوجد شيء غير عادي.

6 – كما أن موافقة العراق على حضور اجتماع جدة – الذي كان بمبادرة وبعد اتصالات مباشرة مع جلالة الملك فهد – أضفى جوا من التفاؤل حيث اتفق على عقد الاجتماع الثاني في بغداد في وقت لاحق، يليه اجتماع ثالث في الكويت.
وعدم توقع الحكومة الكويتية لعمل مسلح من جانب العراق يصل إلى حد الاجتياح العسكري الشامل، دعاها إلى الاعتقاد بأنها أزمة سياسية طارئة، مثل أزمة الصامتة، لا تدعو إلى الكثير من القلق، ويمكن أن تعالج كسابقتها عن طريق الوساطات العربية، فاختارت الحل الدبلوماسي داخل البيت العربي:
1 – فأخطرت الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بالرسالة الجوابية لوزير الخارجية الكويتي ردا على مذكرة العراق إلى جامعة الدول العربية في 15/7/1990م، وطلبت توزيع تلك الرسالة كوثيقة من وثائق الأمم المتحدة ووجهت رسالة مماثلة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، ذلك كله دون أن تطلب إتخاذ أي إجراء.
2 – واقترحت لجنة عربية لحسم الخلافات بين العراق والكويت في ضوء الإتفاقات السابقة بينهما.
3 – واجتمع وكيل وزارة الخارجية الكويتي بسفراء جميع الدول لدى الكويت (وليس فقط الدول الأعضاء في مجلس الأمن) لإحاطتهم علما بفحوى المذكرة العراقية.
4 – وأوفد سمو الأمير ثلاثة مبعوثين للدول العربية لشرح موقف الكويت (ضاري العثمان إلى: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس/ عبدالرحمن العوضي إلى: مصر، الأردن، سوريا، السودان، الصومال، جيبوتي، اليمن/ الشيخ صباح الأحمد إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية).
5 – وفي اجتماع جدة اقترح سمو ولي العهد أن يذهب وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود ولفحص الإدعاءات العراقية حول تجاوزات الكويت لحدودها مع العراق.
كل ذلك مع تفادي أي إجراء أو عمل قد يفسر بأنه إستفزاز للعراق، حتى أن ممثلي المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية الذين حضروا إلى الكويت قبيل مغادرة سمو ولي العهد إلى اجتماع جدة، رغبوا في زيارة منطقة حقل الرميلة، ووافق وزيرا الإعلام والداخلية على ذلك، ورفضت وزارة الدفاع حتى لا يفسر تواجد الإعلاميين في منطقة الرتقة بجانب حقل الرميلة بأنه تصعيد للموقف وممارسات إستفزازية من الجانب الكويتي بحق الجانب العراقي.
فالحكومة الكويتية واجهت الأزمة من محاور أربعة:
1 – عدم توقع العمل العسكري، أو بالأقل عدم توقع الاجتياح الكامل للكويت.
2 – محاولة حل الأزمة بالطريق الدبلوماسي.
3 – عدم تدويل الأزمة خارج النطاق العربي.
4 – تجنب أي عمل استفزازي قد يعرقل الطريق الدبلوماسي.

وسارت الحكومة الكويتية في طريق العمل الدبلوماسي إلى آخر مداه، واستسلمت للتطمينات العربية، واستسلمت للنفي العراقي عن حقيقة نواياه من ذلك ما صرح به مصدر عراقي في 26/7/1990م، في رده على ما ذكر عن وجود حشود عراقية في منطقة البصرة والزبير، من أن العراق ما زال في حالة حرب مع إيران وأن ما أسمته أجهزة الإعلام الأجنبية لا يخرج عن كونه تحركات روتينية للفيلق السابع الذي تتركز قيادته في أم قصر منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية.
ثم كان اجتماع جدة في يومي الثلاثاء والأربعاء 31/7، 1/8/1990م وكان الوفد العراقي برئاسة عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، بينما كان الوفد الكويتي برئاسة سمو ولي العهد الشيخ سعد الله السالم، يرافق سموه عدد من الوزراء وعدد من المسؤولين بوزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل والنفط. أي أن الوفد الكويتي كان، على خلاف الوفد العراقي، وفدا سياسيا وفنيا في الوقت ذاته.
وذهب الشيخ سعد إلى هذا الاجتماع بنية صافية. وصرح عند وصوله إلى جدة: «إننا نتطلع بقلب مفتوح إلى لقاء أخي نائب رئيس مجلس الثورة العراقي، مؤكدًا حرص الكويت على المشاركة الإيجابية في هذا اللقاء الذي أعرب عن الأمل في أن يشكل الخطوط الأساسية نحو التوصل إلى حل نهائي وعادل لكافة المشكلات والقضايا المعلقة بين البلدين الشقيقين».
وفي الجلسة الإفتتاحية، وبعد كلمات المجاملة، اتضح أنه ليس لدى عزة إبراهيم أي جديد يقدمه سوى أنه قد حضر إلى الاجتماع استجابة لدعوة جلالة الملك فهد، وأن أي مناقشات يمكن أن تستكمل في بغداد. وتلت الجلسة الافتتاحية جلسة مغلقة اقتصرت على رئيسي الوفدين، ولم تسفر هذه الجلسة المغلقة عن أي نتائج. وألح سمو ولي العهد على عقد جلسة ثانية أو القيام بزيارة رئيس الوفد العراقي بجناحه الخاص، وتم ذلك فعلا.
غير أن رئيس الوفد العراقي تعلل بالمرض وعدم القدرة على مواصلة الاجتماع مرددا نفس ما سبق أن قاله من أنه إنما حضر إلى جدة إستجابة لدعوة جلالة الملك فهد. واقترح سمو ولي العهد أن يذهبا معا لتلبية دعوة العشاء الذي أقامه جلالة الملك فهد. وساد اللقاء الجانبي بحضور الملك فهد جوا طيبا، ولكن بلا شك كان بالأنفس الشيء الكثير مما لم تفصح عنه المظاهر الخارجية.
وفي أثناء ذلك رفض الجانب العراقي اقتراح سمو ولي العهد بأن ينتقل وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود على الطبيعة للتحقق من عدم وجود أي تجاوزات كويتية بإقامة مزارع أو منشآت عسكرية كما يدعى الجانب العراقي. وأصر على أن يكون الاجتماع بروتوكوليا يعقبه إجتماع في بغداد. كما اقترح عقد اجتماع يضم جلالة الملك فهد والرئيس حسني مبارك وصدام حسين دون ذكر لسمو أمير الكويت، وهو ما رفضه الجانب الكويتي رفضا قاطعا، كما رفض الجانب العراقي اقتراح وفد الكويت إصدار بيان مشترك بأن يتم اجتماع في بغداد يليه اجتماع في الكويت.
وفي صباح الأربعاء 1/8/1990م غادر موكب عزة إبراهيم جدة متوجها إلى المدينة المنورة دون أن يسمع رد الجانب الكويتي بالرفض القاطع للاجتماع الثلاثي المقترح والذي يغيب عنه صاحب القضية، وهو سمو أمير الكويت، وفي مساء اليوم ذاته عاد الوفد الكوييتي إلى الكويت.
(يراجع: «صفحات ما قبل العدوان»، ملاحظات من إعداد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية، ألقيت في ندوة المعلومات والأمن بوزارة الاعلام بتاريخ 4/8/1992م).
ويذكر سمو ولي العهد أنه – في جدة في مساء يوم الأربعاء 1/8/1990م، وأثناء توجهه بالسيارة للعشاء بناء على دعوة جلالة الملك فهد، قال لرئيس الوفد العراقي (عزت إبراهيم) وكان يرافقه في السيارة، أنه بعد الاجتماع الثاني في بغداد سيكون الاجتماع الثالث في الكويت. فأجابه عزت إبراهيم (ما أحد قال لنا نشوف القيادة). وأضاف سموه أنه بعد تناول العشاء اجتمع مع جلالة الملك فهد وسمو الأمير عبدالله على انفراد وأخبرهما أنه كل ما فهمه هو أن الوفد العراقي جاء إلى جدة (ليقول كلمتين وبس). 

-----------------------------------
*فيما يلي تقرير نقل لتقرير اللجنة النهائي:-

1- ان السلطة التنفيذية لم تقرأ بصورة صحيحة موقف العراق تجاه الكويت اثناء الحرب العراقية الإيرانية وبعدها.

2- ولم تتوقع الاجتياح الكامل برغم امكانية هذا التوقع.

3- وإختارت الحل السياسي واستبعدت تماما الخيار العسكري الى أن وقع الغزو.

4- ولم تطلب في الوقت المناسب العون العسكري من أي دولة خليجية أو عربية أو أجنبية، برغم العرض الاميركي بتقديم المساعدة، وهو ما فعله المغفور له الشيخ عبدالله السالم سنة 1961م

5- وحل مجلس الأمة في سنة 1986م وفرض الرقابة على الصحف، أدى الى تنامي المطالبة بالعودة إلى العمل بدستور سنة 1962م مما أوحى الى النظام العراقي بوجود انشقاق في الجبهة الداخلية يسهل له عملية الغزو.

6- والدولة كانت مخترقة – من قبل الجانب العراقي- أمنيا وإعلاميا مما سهل عملية الغزو.(راجع الحالة الأمنية والتسهيلات التي حصل عليها العراقيين في هذه الصفحة 
http://www.alamalyawm.com/ArticleDetail.aspx?artid=3202 )

7- التغييب التام للرأي الشعبي، حيث كان هناك تعمد لتغييب الخطر والمعلومات والتحركات والحشود العراقية عن الشعب الكويتي..

8- ان الحكومة لم تضع خططا بديلة وفي الدراسات المقارنة ما يعرف في مجال العلوم السياسية بـ«إدارة الأزمات» يحث يضع المسؤولون السياسيون دراسات وخطط لتقليل الخطر عن الكيان السياسي، وهذا عكس مافعلته الحكومة في مجال التهديدات العراقية./تعليق ولا زلنا لا نملك خطة إدارة أزمات.

9- لايبدو منطقيا او مقنعا التوجه الذي قامت به الحكومة بالاعتماد الكلي والوثوق الأعمى بالتطمينات الرسمية من قادة الدول الشقيقة خاصة في ضوء استمرار الحشود العراقية- وتناقض التطمينات من الدول الشقية مع التقارير السرية التي نقلت للحكومة من عدة جهات غير عربية تؤكد عزم العراق على شن عدوان على الأراضي الكويتية.

10- لم تقم الحكومة حتى باتخاذ أبسط الاحترازات الأمنية للتوقع الأسوأ، وهو أبسط ما كان يجب أن يقوم به صناع القرار وهم يواجهون خطرا حقيقيا من طرف عرف بعدوانه وطباعه العدوانية. ليس هذا فحسب، بل لقد قامت القيادة السياسية بخفض الجاهزية والاستنفار العسكري، فأصدرت تعليماتها للقيادة العسكرية بخفض حالة الاستنفار العام، كما أعطيت تعليمات لاعطاء اجازات الضباط، وذلك لعدم «إستفزاز العراق».

11- تتحمل الحكومة ككل وخاصة رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الاعلام ووزير الدفاع ووزير الداخلية يتحملون مسؤولية التقصير وقصور الجاهزية، وعدم اتخاذ ابسط التجهيزات والاستعدادات الامنية المدنية والعسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي استمرت طوال اسبوعين كاملين من 15/7/1990م الى 1/8/1990م.
 
لقد كان الاعتداء العراقي مبيتا ومخططا، وتم الاعداد له منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية، وكان عدوانا محضا لم تقم دولة الكويت بأي عمل يبرره من قريب او من بعيد، بشكل مباشر او غير مباشر. وعلى ضوء ما تقدم فإن التقصير في مواجهة العدوان العراقي يقع بالدرجة الاولى على عاتق السلطة التنفيذية وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية للاسباب التالية:
اولا: لم تقرأ الخطر والتهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة.
ثانيا: لم تتعامل مع الخطر تعاملا صحيحا.
ثالثا: لم تتخذ ابسط الاجراءات المطلوبة- كالدعوة لاجراء مناورات كما فعلت دولة الامارات العربية المتحدة- والاستفادة من العرض الاميركي.
رابعا: قللت من الخطر الماثل امام الكويت واستبعدت حتى التجهيز والاعداد الدفاعي والعسكري، وذكرت تقليلا للخطر بأنه «سحابة صيف».
خامسا: غيبت المشاركة الشعبية والرأي العام وتعمدت اخفاء اخبار الاخطار العراقية في اجهزة الاعلام الرسمية.
سادسا: فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور والمسار الوحيد الذي اتخذته دون غيره من المسارات ولو من باب الاحتياط.
وتقع المسؤولية كاملة على الحكومة. وبسبب تغييب وجود مجلس امة وسلطة تشريعية لتتحمل المسؤولية مع السلطة التنفيذية- القائمة والمسؤولة عن ادارة دفة الازمة- فإن القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء فقط دون غيره تتحمل كل التبعات التي ترتبت على الغزو العراقي لدولة الكويت وذلك لعدم قدرته على قراءة الازمة، والتعامل معها والتصدي ولو بالطرق البسيطة والمتواضعة لدرء او حتى لتأخير تقدم القوات العراقية، بما يكفي من وقت. 
 -----------------------------------------

منقول
 -----------------------------------------

القسم الثاني:مذكرات مواطن 


يذكر لنا هذا الشخص ماكان يشاهده بهذه الأثناء (أي قبيل الغزو العراقي الغاشم) والشيء بالشيء يذكر أن تواريخ الخطابات التي تم ذكرها في القسم الأول سيتم التطرق لها من خلال مذكرات واقعية لهذا الرجل الذي عاصر الأزمة.  

 ومنها:

1-مذكرة:خطاب صدام حسين في ذكرى 17 تموز:

كنت متواجد في وحدتي العسكرية ك "ملازم إحتياط" وكنت أستكمل الدورة التنشيطية المقررة سنوياً . . وإذا بي أبلغ بأن 50% من وحدات الجيش محجوزة بأمر عسكري من رئيس الأركان العامة . .ومن بينها الوحدة التي أعمل بها.؟!

لم يكن أغلب الضباط يعلمون السبب .. ودار نقاش حول الموضوع لم يكن طويلاً علمنا بعده أن خطاب رئيس النظام العراقي (صدام حسين) بمناسبة الإحتفالات بثورة 17-30 تموز هي السبب. .؟

يكمل القول : لقد كان هذا الخطاب هو أحد المؤشرات الهامة على نية الغدر التي يبيتها نظام صدام حسين ضد الكويت وخاصة بسبب المشكلة التي قامت بها الكويت والإمارات على حد قول صدام حسين اتجاه أسواق النفط وسعيهما لخفض سعر النفط الخام.

---------
2-مذكرة الحشود العسكرية على حدود الكويت الشمالية:

في شهر يوليو وفي يوم 14 عام 1990م ذكر عائدون لي نقلاً عما شاهدوه في المناطق القريبة من الجنوب العراقي والمتاخمة لحدود الكويت الشمالية أن الحشود في تلك الفترة توحي أنها تستعد لحرب..!

-يكمل:ذكر صديق له أقار في البصرة أت تلك الحشود بدأ يشاهدها الناس هناك منذ الأسبوع الثاني من شهر يونيو عام 1990م أي قبل شهريين من الغزو..
ويكمل:لعل هذا يؤكده ماذكره أحد المسؤوليين في الكويت بأن نية صدام المبيتة لغزو الكويت كانت مقدرة منذ زمن و خاصة بعد الرسالة التي تلقها من الحكومة الكويتية في مايو 1990م والتي تطالب بسداد بعض الديون المستحقة على العراق..أنا شخصياً لا أستبعد أن تكون تلك الرسالة بالذات هي القشة التي قصمت ظهر البعير وهي التي أوغرت صدره الحاقد . . (وأخرجته من طوره)!
ولكن للأمانة . . فإن التاريخ سيشهد بالجرأة للحكومة الكويتية التي طالبت بحقوقها هذه المرة بصراحة متناهية بعد أن أدركت مدى الإبتزاز و المماطلة والتسويف التي يتعمد ممارستها النظام العراقي..!


---------
3-مذكرة:الدور الخبيث للسفارة العراقية في الكويت:

تبين أن هناك الكثير من الجواسيس الذين زرعتهم المخابرات العراقية في بعض الأماكن الحيوية من البلاد!!
 حتى أن صديقاً ذكر لي أن عدد الأعضاء العاملين بالسفارة العراقية في الكويت بلغ2000 شخص!!
عشرين منهم فقط يعملون بالسلك الدبلوماسي .. والباقي وعددهم 1980 شخصاً يعملون للمخابرات العراقية.!!

ويكمل:ولعل الحدث الذي أثار ريبة المسؤوليين في الكويت وخاصة وزارة الداخلية هو ذلك الطلب الذي تقدمت به السفارة العراقية لإصدار "أذونات عدم ممانعة" لما يزيد عن 400 شخص دفعة واحدة وذلك قبل فترة وجيزة من الغزو المشؤوم..!!   
وبإعتقادي الشخصي أن السفارة العراقية استغلت التسهيلات الممنوحة لها من قبل وزارة الداخلية في ادخال هذا العدد تمهيداً لأداء الدور المرسوم لكل منهم ساعة الصفر!!



شكراً للقراءة .. وسأحاول  سأضع فيها صور خاصة بالغزو العراقي الغاشم .. بالنسبة للمذكرات فهي مختصرة ولكن الصعوبة واجهتني في النقل والحقيقة التي يجب أن تقال أنها مذكرات قبل الغزو و في الغزو وحتى التحرير.