الضرورة والفقة المقارن








يجب أن نتكلم عن مبدأ واضح في هذا المقال وبشكل "مجرد" ووفق اجتهاد شخصي لكن مبني على "سوابق" لقانون مقارن ،كذلك أتمنى أن يتفهم القارىء أننا نكتب للوقوف على مبدأ "الضرورة" لا صلاحيات محفوظة دستورياً لسمو الأمير.


-كذلك وجب التنويه أنني أكتب من "حوادث مشابهه واجهتها المحكمة الدستورية العليا المصرية" لوقوفها على مبدأ "الضرورة" في حالة و في حالة أخرى تبيين "صلاحيات الرئيس" ..مما يعني أنني سأكتب وفق ايماني بمدرسة القانون المصرية التي أنتمي إليها والبقية مبنية على اجتهادات مع ذكر باب هذا الإجتهاد.


أولاً: علينا قراءة النص الدستوري للمادة ٧١ من الدستور الكويتي والتي أعتقد أن جميع المواطنيين حفظوها نصياً والإختلاف في التفسير : "إذا وجد فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله ، ما يوجب  الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون ، على ألا تكون مخالفة للدستور أو التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية"


-نستخلص في النص القانوني السابق عناصر مهمة وقف عليها المشرع في تعريف الضرورة:

١-غياب المجلس "السلطة التشريعية" سواء فترة الحل أو الإجازة.
٢-مايوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير "هنا يأتي تقدير الضرورة"
٣- جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون "جاز للأمير يقصد فيها أنها استثناء للأصل العام"
٤-ألا تكون مخالفة للدستور أو التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

ثانياً: تقدير الضرورة:-
-لن نخوض كما يعتقد البعض في السلطة التقديرية لسمو الأمير إنما نظرة تمعن على مصطلح "الضرورة"
-لتوافر حالة الضرورة هناك أصلان "غياب المجلس و تدابير لا تحتمل التأخير"..لكن ماهي العناصر المفروض أن تبنى عليها حالة الضرورة؟

أ- حدث طارىء : ويقصد بمبدأ الحداثة أن يكون الخطر أو السبب المبني عليه مرسوم الضرورة لم يكن له أصل في حضور المجلس،حتى لو كان هذا الحدث موجود في حضور المجلس إلا أنه لا يعتبر ضرورة مالم يلتفت له المجلس أثناء الإنعقاد.
ب-أن يكون الخطر المحدق "مادي"  بمعنى خطر ملموس كما هو الحال مثلاً بالنسبة للكوارث الطبيعية أو الأزمات.

ثالثاً:أحكام مشابهه لتقدير "الضرورة" وفق الفقه المصري:-

قضية رقم 15 لسنة 18 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 يناير سنة 1999 م، الموافق 14 رمضان سنة 1419 هـ

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله

"سنذكر فقط الدفوع من قبل الطرفيين" لأن ما يهمنا هنا تقدير المحكمة لل "ضرورة" التي اتخذتها السلطة التنفيذية "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 8 لسنة 36 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد المدعى عليهما الأول والثاني، طالبين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 494 لسنة 1981 ورفع التحفظ عن دار ... وأموالها بما فيها المكتبة الكائنة أسفل الدار بالدور الأرضي من العقار رقم ... بالقاهرة، وفي الموضوع بإلغائه فيما قضي به من إلغاء الترخيص الممنوح لدار الموقف العربي والتحفظ على أموالها ومقارها. وبجلسة 11 فبراير سنة 1982 قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وإذ لم يرتض المدعى عليهما هذا الحكم فقد أقاما الطعن رقم 649 لسنة 28 قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا، فقضت بجلستها المعقودة في 27 يونيه سنة 1993 بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القيم، حيث قيدت برقم 19 لسنة 14 قضائية. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981 الذي قضى باختصاص محكمة القيم بالفصل في التظلم من الإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 74 من الدستور، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.

وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981 بإضافة بند جديد إلى المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون 95 لسنة 1980 ينص في المادة الأولى منه على أن "يضاف بند جديد إلى المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 بالنص الآتي:

"خامسا: الفصل في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 74 من الدستور".

وتنص المادة الثانية منه على أن "ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وتكون له قوة القانون ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره".

وحيث إن المدعين ينعون على القرار بالقانون الطعين أنه صدر دون مراعاة الضوابط التي حددها نص المادة 147 من الدستور لمباشرة رئيس الجمهورية سلطته الاستثنائية في مجال إصدار القرارات التي تكون لها قوة القانون، ومناطها قيام ضرورة تقتضي الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير وذلك في غيبة مجلس الشعب. وإذ أصدر رئيس الجمهورية بيانا إلى الشعب في 5 سبتمبر سنة 1981 أكد فيه أن الأحداث التي وقعت في منطقة الزاوية الحمراء بين بعض المسلمين والمسيحيين في 17 يونيه سنة 1981 قد انتهت بتمام السيطرة عليها وأن الغالبية الساحقة من جماهير الشعب المصري قد رفضت المشاركة في تلك الأحداث؛ فإن مؤدى ذلك انتفاء حالة الضرورة التي يضطر معها رئيس الجمهورية إلى استخدام سلطته التشريعية الاستثنائية بإصداره القرار بقانون محل الطعن.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها في صلبها تمكينا للسلطة التنفيذية - حال غيبة السلطة التشريعية - من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير في شأنها، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير، وتطبيقا لها، مبررا بحالة الضرورة ومستندا إليها، وبالقدر الذي يكون متناسبا مع متطلباتها، بوصفها تدابير من طبيعة استثنائية. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية - في مجال ممارسة الوظيفة التشريعية - من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها إلى ممارسة تشريعية مطلقة تتغول بها السلطة التنفيذية على الولاية التشريعية المعقودة دستوريا لمجلس الشعب. ذلك أن نصوص الدستور إنما تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وهذه القواعد والأصول هي التي يرد إليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى لا تدخل في نطاقها بل تعد استثناء من الأصل العام الذي يقضي بانحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد وبين بصورة تفصيلية ضوابط وحدود ممارستها - كقيد على مبدأ الفصل بين السلطات الذي التزمه الدستور الحالي الصادر عام 1971 منحازا بذلك إلى القيم الديمقراطية في الدول المتحضرة - فقد تعين على كل سلطات الدولة أن تلتزم تلك الحدود الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة الصارمة التي عينها الدستور، وإلا كان عملها مخالفا للدستور مما يخضعه للرقابة القضائية التي عهد بها إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.

وحيث إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولي كل منهما لوظائفها في المجال المحدد لها أصلا، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام في ربوعها إزاء ما قد تواجهه في غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي في ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستندا إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازما بصورة عاجلة لا تحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هي حالة الضرورة التي اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية في هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية في المجال التشريعي. إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التي لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هي علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هي مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها في الحدود التي رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهي من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.

وحيث إن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية - ممثلة في رئيس الجمهورية - لجانب من الوظيفة التشريعية في أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك في المادة 147 منه التي تنص على ما يأتي:

"إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.

ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".

وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، كما تمتد هذه الرقابة أيضا إلى التحقق من سلامة الإجراءات واحترام المواعيد التي تطلبها الدستور في عرض تلك القرارات على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها وذلك حتى لا يتحول هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.

وحيث إن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 147 من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلا أو موقوفا أو قائما، فإذا كان المجلس منحلا أو موقوفا، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه في أول اجتماع له؛ فور انعقاده، أما في غير هاتين الحالتين - الوقف والحل - فيتعين أن يدعى المجلس للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هي خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل في ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التي تصدرها السلطة التنفيذية - في غيبته عند الضرورة - في أسرع وقت ممكن للنظر في شأنها، وإلا زال ما لهذه التشريعات - وفقا لما نص عليه الدستور - من قوة القانون بأثر رجعي دون حاجة لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن.

وحيث إنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981، أنه قد صدر دون مذكرة إيضاحية تفصح عن الأسباب التي استندت إليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه عند عرض القرار بقانون المشار إليه على مجلس الشعب للنظر في إقراره، أبدى وزير الدولة لشئون مجلس الشعب - على ما ورد بمضبطة الجلسة الثالثة للاجتماع غير العادي المعقودة في 14 سبتمبر سنة 1981 - أن رئيس الجمهورية أصدر ذلك القرار بقانون طبقا للصلاحية التي خولها له الدستور في المادة 147، وأنه قد صدر لفتح باب التظلم أمام من شملتهم الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية طبقا للمادة 74 من الدستور - وهو ما ردده أيضا تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب في هذا الشأن - وكان ذلك وإن جاز أن يندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريع القائم من قصور تحقيقا لإصلاح مرتجى، إلا أنه لا يصلح سندا لقيام حالة الضرورة المبررة لإصدار هذا القرار بقانون إذ لم يطرأ خلال غيبة مجلس الشعب ظرف معين يمكن أن تتوفر معه تلك الضرورة التي تبيح ممارسة سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة 147 من الدستور. كما أن هذا القول - إن صح - كان يقتضي اللجوء إلى السلطة التشريعية لاستصدار قانون بتحديد الجهة القضائية التي تختص بالنظر في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقا للمادة 74 من الدستور إعمالا للتفويض المخول للمشرع بمقتضى المادة 167 من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.

وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة. ويتعين دوما أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها علي المخاطبين بها، يفترض العمل بها في مجموعها، باعتبار أن لكل نص منها مضمونا ذاتيا لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها أو يسقطها، بل يقوم إلى جوارها متساندا معها، مقيدا بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها. وإذ كان الدستور قد نص في المادة 65 منه على خضوع الدولة للقانون، دالا بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها - وأيا كانت طبيعة سلطاتها - بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون بذاتها ضابطا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة، باعتبار أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازا شخصيا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها؛ ومن ثم فقد أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترنا بمبدأ مشروعية السلطة هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة القانونية. متى كان ذلك وكان الدستور يؤكد في المادة 73 منه مسئولية رئيس الجمهورية عن احترام الدستور وسيادة القانون ورعاية الحدود بين السلطات فإنه إذا ما قرر ملاءمة إصدار قرار بقانون لمواجهة أحد الأخطار التي أشارت إليها المادة 74 من الدستور فإن هذه السلطة تكون مقيدة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الاختصاص التشريعي الاستثنائي وأخصها تلك التي تضمنتها المادة 147 من الدستور، ذلك أن ما تقرره المادة 74 من سلطات لرئيس الجمهورية لمواجهة الأخطار المشار إليها فيها، لا يعني الترخص في تجاوز الضوابط والخروج على القيود التي تضمنتها مبادئ الدستور الأخرى وفي مقدمتها ألا تمارس السلطة التنفيذية شيئا من الوظيفة التشريعية إلا على سبيل الاستثناء وفي الحدود الضيقة التي أجاز فيها الدستور ذلك في المادة 147 منه.

لما كان ذلك، وكان السبب الذي حدا برئيس الجمهورية لإصدار القرار بقانون الطعين لا يشكل بذاته حالة ضرورة تدعو رئيس الجمهورية إلى مباشرة سلطته التشريعية الاستثنائية المقررة بالمادة 147 من الدستور، فإن هذا القرار وقد صدر استنادا إلى هذه المادة وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور.

وحيث إنه لا ينال مما تقدم قالة إن مجلس الشعب وقد أقر القرار بقانون المطعون فيه، فإنه بذلك يكون قد طهره مما شابه من عيوب دستورية، ذلك أن إقرار مجلس الشعب له لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار في ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلي عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981بإضافة بند جديد إلى المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

"لاحظ تاريخ القانون"

وهذا بالنسبة ل"تقدير الضرورة" .. والحالة المروحة كانت تتعلق بموضوع لم يتعلق بمراسيم تتعلق بعوده "مجلس الشعب" .. فما بالك لو كان الموضوع يتعلق بالحياة البرلمانية.


القضية التالية توضح "تخويل رئيس الجمهورية سلطة التشريع":

الدعوى رقم 28 لسنة 2 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم



ضوابط تخويل رئيس الجمهورية سلطة التشريع

وحيث إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية في تلك الحالات أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها - إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع - على سبيل الاستثناء - لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة 147 على أنه: "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفي الفقرة الثانية على أنه: "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".

وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147 ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها.


المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة 4 مايو سنة 1985م.

برئاسة السيد المستشار/ محمد علي بليغ

رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين: مصطفى جميل مرسي وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفي جمعة ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور.

أعضاء

وحضور السيد المستشار الدكتور/ أحمد محمد الحفني

المفوض

وحضور السيد/ أحمد علي فضل الله

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 2 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 15 سبتمبر سنة 1980 وردت إلى قلم كتاب المحكمة دعوى رقم 29 لسنة 1980 ولاية على النفس البداري، بعد أن قضت محكمة البداري الجزئية للأحوال الشخصية في 2 سبتمبر سنة 1980 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979. تعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة مارس سنة 1985 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 29 سنة 1980 ولاية على النفس البداري ضد زوجها المدعى عليه طالبة الحكم لها عليه بنفقة شرعية اعتبارا من أول نوفمبر 1979. وبجلسة 2 سبتمبر سنة 1980 قضت محكمة البداري الجزئية للأحوال الشخصية بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استنادا إلى أن قرار الإحالة جاء خلوا من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته خروجا على ما توجبه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا.

وحيث إنه يبين من قرار الإحالة أن المحكمة استظهرت النصين الواجب تطبيقهما على واقعة الدعوى وهما المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 والمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلتين بمقتضى المادتين الثانية والثالثة من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وقد تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا التشريع في جملته لمخالفة المادتين 108 و147 من الدستور إذ لم يستند رئيس الجمهورية في إصداره إلى تفويض من مجلس الشعب يخوله هذه السلطة، كما أنه لم تتوافر عند إصداره في غيبة مجلس الشعب ظروف توجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير. لما كان ذلك، وكان ما أورده قرار الإحالة واضح الدلالة في بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة - على النحو الذي يتحقق به ما تغياه المشرع - في المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فان الدفع بعدم قبول الدعوى يكون في غير محله متعينا رفضه.

وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.

وحيث إنه يبين من الاطلاع على القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه، أنه استهدف معالجة الأوضاع المتعلقة بالأسرة وتنظيم استعمال الحقوق المقررة شرعا لأفرادها، فكان قوامه والباعث عليه ما يتصل بمسائل الأحوال الشخصية التي تدور جميعها في فلك واحد هو تنظيم شئون الأسرة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة، فقد نصت مادته الأولى على أن "تضاف إلى القانون رقم 25 لسنة 1929 مواد جديدة أرقام (5 مكررا)، (6 مكررا)، (6 مكررا ثانيا)، (18 مكررا)، (23 مكرر)" وتتضمن هذه المواد الأحكام الخاصة بكيفية توثيق الطلاق والإعلام بوقوعه وما يترتب على ذلك من آثار (5 مكررا) وأنه يعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها وإخفاء الزوج على الزوجة الجديدة أنه متزوج بسواها (6 مكرر) وبيان الآثار المترتبة على نشوز الزوجة (6 مكررا ثانيا) وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها (18 مكررا) واستحقاق نفقة الصغير على أبيه (18 مكررا ثانيا) وفرض عقوبات جنائية لمخالفة بعض أحكام هذا القانون (23 مكررا) ونصت المادة الثانية من القرار بقانون المطعون عليه على أن يستبدل بنص المادة (1) من القانون رقم 25 لسنة 1920 نص جديد يتضمن الأحكام الخاصة بشروط استحقاق نفقة الزوجة وأحوال سقوطها. وتقضى المادة الثالثة منه بأن يستبدل بنصوص المواد 7، 8، 9، 10، 11، 16، 20، من القانون رقم 25 لسنة 1929 النصوص المحددة في هذه المادة والتي تشتمل على الأحكام المتعلقة بإجراءات التحكيم عند وقوع الشقاق بين الزوجين (7، 8، 9، 10، 11) وبما يفرض على الزوج من نفقة مؤقتة لزوجته (16) وأحوال حضانة الصغار وأصحاب الحق فيها وشروطها (20). ثم نص القرار بقانون المشار إليه في مادته الرابعة على حق المطلقة الحاضنة في الاستقلال مع صغيرها بمسكن الزوجية المؤجر وشروط استعمال هذا الحق وتحديد الجهة المختصة بالفصل في الطلبات المتعلقة به والمنازعات التي تثور في شأنه، وأوجب في المادة الخامسة على المحاكم الجزئية أن تحيل إلى المحاكم الابتدائية الدعاوى التي أصبحت من اختصاصها بمقتضى أحكامه. وقضي في المادة السادسة بإلغاء كل من يخالف هذه الأحكام وانتهى في المادة السابعة والأخيرة إلى النص على نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.

وحيث إن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والأصول هي التي يرد إليها الأمر في تحديد ما تتولاه السلطة العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذي يقضي بانحصار نشاطها في المجال الذي يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لأي من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع - متى انصبت على قانون أو لائحة - للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.

وحيث إن سن القوانين عمل تشريعي تختص به الهيئة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشعب طبقا للمادة 86 من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يطرأ في غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية في تلك الحالات أن يصدر في شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستوري على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها - إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقا بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطة بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التي تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع - على سبيل الاستثناء - لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعي المختص أصلا بذلك. من أجل ذلك نص الدستور في الفقرة الأولى من المادة 147 على أنه: "إذا حدث في غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر في شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفي الفقرة الثانية على أنه: "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وتعرض في أول اجتماع له في حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".

وحيث إن المستفاد من هذا النص أن الدستور وأن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصا في إصدار قرارات تكون لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فان رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة في الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما في ذلك شأن الشروط الأخرى التي حددتها المادة 147 ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة استنادا إليها على مجلس الشعب للنظر في إقرارها أو علاج آثارها.

وحيث إنه يبين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه أن الأسباب التي استندت إليها الحكومة في التعجيل بإصداره في غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الإيضاحية من "أن القانونين رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 الخاصين ببعض أحكام الأحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاما طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادي والأدبي التي انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذي حمل القضاء عبئاً كبيرا في تخريج إحكام الحوادث التي تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور في بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التي استجدت في حياة المجتمع المصري وذلك في نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أي حق مقرر بدليل قطعي لأي فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق..." كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر في إقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التي دعت إلى إصداره بقوله "ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الأحوال الشخصية... وقد طال الأمد على استصدار هذه القوانين، وطول الأمد واستطالة المدة هي حالة الضرورة، بل هي حالة الخطورة فالأسرة المصرية تنتظر هذا الإصلاح منذ عام 1905، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الأسرة رقم (25) لسنة 1920 ورقم (25) لسنة 1929 كلاهما يحتاج إلى تعديل منذ صدورهما، أي منذ عامي 1920 و1929. أليس في هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولى الأمر ليصدر قرارا ثوريا بإصلاح الأسرة؛ لو ترك الأمر لاقتراح قرار بقانون أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهورا وسنين فأين هي الحاجة التي تدعو إلى تحقيق إصلاح الأسرة بقرار ثوري مثل القرار بقانون المعروض".

لما كان ذلك، وكانت الأسباب سالفة البيان. وحاصل مجرد الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما أستجد من تغييرات في نواحي المجتمع وان جاز أن تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقا لإصلاح مرتجى إلا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة 147 من الدستور، ذلك أن تلك الأسباب - تفيد أنه لم يطرأ - خلال غيبة مجلس الشعب - ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة 147 المشار إليها ومن ثم فان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 - إذ صدر استنادا إلى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوبا بمخالفة الدستور.

وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لإصدار القرارات بقوانين عملا بالمادة 147 من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التي لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقا للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، إلا أن ذلك لا يعني إطلاق هذه السلطة في إصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور والتي سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط أن يطرأ - في غيبة مجلس الشعب - ظرف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم يكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذي يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.

وحيث إنه - من ناحية أخرى - فان إقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا القرار في ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن يتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.

وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعي المترابط موضوعا واحدا قصد به معالجة بعض مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستوري الذي شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند إصداره، فانه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.

*ملاحظة :المحكمة الدستورية تعمدت "التضييق" على صلاحيات الرئيس في قضية تتعلق بأحوال شخصية وهذا يعن حرص المحكمة على عزل السلطات و "إعتماد إستثناء من الأصل العام في تخوييل الرئيس صلاحيات ضيقة هذا الإستثناء مبني على الضرورة وغياب المجلس ، والقضية السالف ذكرها كانت موجودة في عهد مجلس الشعب مما يعطي انتفاء لحالة الضرورة"

-خامساً: أنا أؤمن بمدرسة القانون الدستوري المصري .. لذلك تقصييت منه ما يفسر الضرورة،وقد يكون حكم المحكمة الدستورية الكويتية غير ذلك وهو حكم ملزم لكلا الطرفيين .. لكن أن يأتي شخص ويقول أن تقدير الضرورة حق أصيل لسمو الأمير هنا الإختلاف فحتى المادة ٧١ ذكرت الميزانية العامة صراحةً مما يعني تضييق دائرة ال "تقدير" أكثر فلو لم تذكر الميزانية العامة لكنا آمنا أنها فعلاً تخضع لتقدير مطلق .. وبالنهاية نذكر أن مرسوم الضرورة ماهو إلا استثناء للأصل العام.


*هامش:



-اذا تركنا باب الضرورة مفتوحاً على مصراعيه فقد نجد أنفسنا أمام مواد قد لا تفعل بشكل دستوري وعلى سبيل المثال وهو الأقرب "إعلان الأحكام العرفية" 

-البعض يتساءل هناك حكم سابق للمحكمة الدستورية بما يتعلق بحالة سابقة ، رأيي هو أن الحالة السابقة كانت تتعلق بعودة كامل الحياة البرلمانية للبلاد من جديد ، أن المحكمة الدستورية الكويتية لمحت في الفقرة الأخيرة لذلك .

-بغض النظر عن الحالات المطروحة في القضيتين السابق ذكرهما إلا أن ما يهم هو "حالة الضرورة نفسها" فما بالك إذا كان يتعلق بالحياة البرلمانية.

- كما بينت سابقاً مجرد إجتهادات مبنية على سوابق في الفقه المقارن ، وقد تحتمل الخطأ أو الصواب ، لذلك في حال تقديم الطعن وجب ان يكون الطعن متعلقاً على "الضرورة" بذاتها لا على التحديد للحالة.

ليست هناك تعليقات: